أحلام اليقظة: من الظواهر النفسية التى يتميز بها الشباب، وهى إعمال الذهن فى تحقيق الرغبات وتحقق إشباع فى الخيال لما لا يستطيع تحقيقه فى الواقع، وجميع الناس تمارس هذه الأحلام ولكن دون الإغراق فيها وإلا أدت بالإنسان إلى الإحباط والفشل.
عن أسباب الإغراق فى أحلام اليقظة وكيفية تجنب هذه الأسباب يوضح د. محمود عبدالرحمن حمودة أستاذ الطب النفسى بكلية طب جامعة الأزهر والحاصل على جائزة الدولة فى الطب النفسي، قد يكون أهم أعراض أحلام اليقظة هو السرحان والشرود وهى النقطة التى تفرق بين الإغراق وعدم الإغراق فى أحلام اليقظة، يليها البطء فى إنهاء المهام التى يرغب الإنسان فى إنجازها، بالإضافة إلى عدم تذكر الأشياء حيث يكون العقل فى عالم آخر -عالم الخيال الذى شرد إليه- وهناك أسباب عديدة تؤدى إلى حدوث أحلام اليقظة أهمها الإحباط، فالفشل فى الوصول إلى هدف ما يصاحبه شعور بخيبة الأمل والهزيمة والإحباط، والشباب أكثر الناس عرضة للإحباط لأنهم طاقة تتطلع إلى الآمال والطموحات، ولكن الواقع وما يحمله من تعدد المتغيرات والمغريات المادية والمعنوية أمامهم جعلهم يتطلعون إلى ما يصعب الوصول إليه بقدراتهم الخاصة إلا بعد وقت طويل، ولكنهم لا يستطيعون صبرا، فكيف يصبرون طويلا وقد إعتادوا حياة السرعة؟ من هنا كان إحباط الشباب حيث له تطلعات تحتاج إلى وقت طويل وهم متعجلون ومتحمسون فيصدم الواقع الطموح وينتج الإحباط، والحل يكون بالهروب إلى عالم الخيال الوردى لتحقيق ما فشلوا فيه واقعيا.
وقد يلجأ الشاب إلى الهروب والإغراق فى أحلام اليقظة، خاصة من لا يثق بنفسه وقدراته أو نتيجة كثرة الإنتقادات الموجهة إليه من الآباء، مما يحط من ثقة الشاب فى نفسه.
ويضيف د. حمودة أن إختلاف وصراع الأجيال قد يكون سببا لهروب الشاب من واقعه والإغراق فى عالم الأحلام، خاصة عندما يصطدمون بمن هم أكبر سنا سواء فى المنزل أو المدرسة أو الجامعة، وإحتدام هذا الصراع فى نفس الشاب -باعتباره الطرف الأضعف فى هذا الموقف- يجعله غير قادر على التكيف ويحلم بيوم تؤول فيه السلطة إليه.
إن إغراق الشاب فى أحلام اليقظة يعطيه شعورا بالرضا عن نفسه، حيث يعوض الواقع بالخيال فيكون كالمُدم سواء مادة مخدرة ملموسة يتعاطاها للهروب من الواقع، وصاحب أحلام اليقظة يمارس أحلام اليقظة هروبا من الواقع أيضا، فكلاهما يهرب من واقع مؤلم إلى خيال ممتع سرعان ما يعود منه إلى الواقع ليجد أن الواقع قد أصبح أكثر صعوبة، ويجب على الشاب أن يتأكد أنه كلما تكرر الهروب وطال أصبح الواقع أكثر إيلاما.
كما يؤثر ذلك على مستوى إنجازه الوظيفى أو الدراسى ويرى نفسه وقد أصبح بطيئا، فيتهم نفسه بالغباء ويقل إعتباره لذاته وثقته فيها فتزيد أحلام اليقظة لتعويض هذا النقص، ولكن هذا يزيد من عجزه أكثر، بالإضافة إلى ما قد يصاحب ذلك من الإكتئاب أو الإدمان أو ربما الإنتحار.
وقد تزداد حدة أحلام اليقظة لدى بعض المراهقين لدرجة معايشتها، كالمراهقة التى تسمع صوت الفتى الذى تحبه -رغم أن ذلك غير حقيقي- وهذا الخيال العقلى يجعلها تتهم خطأ بالجنون لا من مخالطيها فقط ولكن أيضا من بعض الأخصائيين قليلى الخبرة.
فهناك فرق بين وظيفة التفكير وأحلام اليقظة، فالتفكير إعمال الذهن بحيث تتوارد الأفكار فيه دون نطق بها، ويشترط لوظيفة التفكير السوية أن يكون للتفكير هدف يقصد إليه الشخص المفكر، أما أحلام اليقظة فلا هدف لها سوى الهروب من الواقع إلى عالم من الخيال دون العودة منه بشيء يفيد فى تغيير الواقع.
إن أحلام اليقظة ضرورية للإنجاز الوظيفي، أما إذا عطلت أداء الشخص لوظائفه وعزلته عن الواقع فتصبح مرضية ويجب علاجها، ولأن أحلام اليقظة تنشأ عن أسباب نفسية بحتة فالعلاج أيضا نفسى بحت يهدف إلى إكتشاف الأسباب ومساعدة الشاب على تجاوزها، حيث يجب معرفة أسباب الإحباط النفسى ومواجهة تلك الأسباب، كذلك الشاب المصاب بإهتزاز ثقته بنفسه عليه أن يسعى لتأكيد ذاته وتقويتها والإرتباط بالواقع لتنمية الثقة بالنفس، أما الشاب غير القادر على التكيف فلن يجديه الهروب وعليه أن يعمل فى صبر وتكيف دون أن يفقد ذاتيته.
الكاتب: ولاء يوسف.
المصدر: الأهرام اليومى.